الاثنين، 1 ديسمبر 2008

قطعة شيكولاته


أمر يوميا على ذات الدكان كل صباح حين أذهب لعملي.. لكني لم ألحظ ما يعرضه من سلع إلا اليوم
لم أتناول افطاري؛ فأردت ابتياع بعض قطع الشيكولاته .. أقلب.. أختار.. أتخيل مذاقها
لكن استوقفني نوع واحد فقط.. ظللت احدق فيه وبداخلي يتدفق طوفان من الذكريات
انها هي.. قطعة الشيكولاته التي دأب جدي - رحمه الله - على شرائها لي كلما زرته
أستفيق من الذكرى على نظرات البائعة المتشككة في نواياي أو في صحتي العقلية.. أبتسم واطبق كفي على كنزي الصغير .. أذهب لأدفع ثمنها
انها باهضة الثمن حقا..ترى؛ أكان جدي يدفع هذا الثمن كل مرة أراد فيها أن يرى ابتسامة سعادة على وجهي الطفل؟.. أم أن سعرها ارتفع مع ما ارتفع سعره ( وأقصد كل شيء.. عدا الانسان)
أجلس في قطاري اليومي.. بجوار النافذة كما اعتدت.. أتطلع إلى كنزي بغلافه الباهت الذي لم تغيره السنين.. ابتسم بحنان من يرى صديقا قديما بعد طول فراق
ترى.. أكان هذا حجمها حقا أم أنني كنت صغيرة لدرجة تجعل هذه المنمنمة تملأ روحي فتكفيني.. أم أن عوامل التعرية نالت منها؟
حللت غلافها الذهبي وبداخلي تساؤل..ألازلت أذكر طعمها؟
بل.. هل تغير طعمها ضمن ما غيرته الايام؟
أتذكر وابتسم.. تتكشف عن تضاريس طال اشتياقي لها.. أتذكر كيف كانت اختي الكبرى تكرهها كثيرا.. تكرهها لدرجة الاختباء أسفل الفراش كيلا يدفعها جدي إلى فمها
أتذوق أول قطعة منها.. وأعود بالزمن سبعة عشر عاما
لا أذكر متى توقف جدي عن احضار كنزي الثمين إلي.. لا أذكر متى بدأ باستبدال براءة الطفولة بالأوراق الخضراء
آخذها منه لأشتري أنواعا اخرى من الشيكولاتة
وبرغم رنين اسمها وعراقة أصلها.. إلا أنها لم تواز يوما كنزي الذي مزجه جدي بعميق حبه لي.
هي الآن بين يدي.. وفي فمي..أعادت إلي كل هذه الذكريات
أتأرجح بين سعادة وحزن.. غلب عليهما الشجن
أتذكر جدي الذي ساءت صحته لفرط مرور السنوات على جسده النحيل المتداعي.. حتى لم يعد يحتمله أقرب أقربائه
لله ما يفعل بنا الهرم من مصائب.. أمنع دمعاتي حتى لا يراها المتطفلين من حولي حين أتذكر جدي الحبيب
لم يعد هو ذلك الطيب الحنون .. تحول إلى غريب آخر في أيامه الأخيرة
يقتلني الاحساس بالألم والذنب حين أتذكر كم تمنينا له الراحه بأسرع أشكالها.. لله ما أقسى الحجارة التي تسكن بين ضلوعنا
اتذكر بكائي الحار حين اكتشفت إصابتي بالحصبة الألمانية في صغري .. بكيت لأني قبلت جدي وخفت عليه من العدوى
حينها استاءت أمي لأني لم أخش على اخوتي خشيتي على جدي
اقتربت محطتي.. ولازال بداخلي طوفان من الذكريات صار اكثر هدوءا واستقرارا كالنيل بعد فيضانه 
أعتذر إليك جدي.. لم أقرأ لك الفاتحة منذ زمن
أعتذر إن أسأت إليك يوما 
وأشكر قطعة الشيكولاته التي أرسلتها روحك إلي  :)

5 حط دماغك:

محمد حمدي يقول...

اعدت لى ذكريات بحاول انساها كل يوم وبفشل

لكن البوست رائع

تحياتى

وينكى يقول...

محمد حمدي
:( رحم الله فقيدك
معلش كلنا لها

micheal يقول...

بجد مشاعرك جميلة أوي يا وانكوكا
قولي ومتخبيش أكلتي كم قطعة شيكولاتة
:)

وينكى يقول...

دانا يا حبة عيني مابقيتش اكل تقريبا
يا دوووووووووووب.. علبة فى يومين
:P

Eslam Eldosoky يقول...

صدق من قال
ما يخرج من القلب يدخل الي القلب
وينكي
وصل الينا ما احس به قلبك
قصة جميلة جداً
و أنا بشجعك علي الأستمرار مع أني معملتهاش مع نفسي
حقودي بقي
تقبلي تحياتي